❗️هل اكتُشف فعلاً علاج نهائي للتوحد؟
تفكيك علمي للفيديو المتداول… ونداء إلى الأهل
بقلم: د. عمار حميد البنّا
خلال الأيام الماضية، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لطبيب عربي يزعم فيه أنه توصّل إلى “علاج نهائي للتوحد”، مستخدمًا أدوية معروفة مثل الريسبيريدون والأريبيبرازول. الأرقام كانت صادمة ومثيرة للجدل: “43٪ من الأطفال اختفت عندهم مظاهر التوحد بالكامل”.
الادعاء بدا مشجعًا، خاصة لمن يعيشون التحديات اليومية في دعم أبنائهم، لكن الحقيقة العلمية – للأسف – مختلفة تمامًا.
هل يوجد حقًا علاج دوائي للتوحد؟
الإجابة العلمية المبنية على الأدلة: لا.
حتى هذه اللحظة، لا يوجد أي دواء معتمد عالميًا لعلاج التوحد كاضطراب في نماء الدماغ.
الأدوية مثل الريسبيريدون تُستخدم لتخفيف بعض التحديات المصاحبة أحيانًا، مثل فرط الانفعال أو السلوك العدواني، لكنها لا تُغيّر الأساس النمائي أو آليات الدماغ الجوهرية لدى الأطفال الذين ينتمون إلى طيف التوحد.
مراجعة علمية للدراسة المذكورة
ما ورد في الفيديو استند إلى دراسة واحدة فقط. وبعد المراجعة الدقيقة:
• الدراسة شملت 82 طفلاً، وليس 820 كما ورد في بعض التعليقات.
• لم تكن تجربة محكومة علميًا:
• لا توجد مجموعة مقارنة (Control group)
• لم يتم استخدام توزيع عشوائي
• تلقّى الأطفال تزامنًا دعمًا سلوكيًا وعلاجًا وظيفيًا
بالتالي، لا يمكن اعتماد نتائجها كدليل قاطع أو تعميمها على نطاق واسع.
“اختفاء التوحد”؟ لغة غير دقيقة وخطرة
القول إن 43٪ من الأطفال “اختفت عندهم مظاهر التوحد” لا يُعبر عن فهم علمي دقيق. لم تُنشر نتائج الدراسة في مجلة علمية محكّمة من المستوى الأول، ولم تمر بمراجعة أكاديمية مستقلة.
والأخطر: تسويق فكرة أن التوحد “مرض” يُمكن "القضاء" عليه. وهذا مفهوم غير صحيح من الأساس.
التوحد نمط مختلف في النمو
التوحد ليس "عدواً" نحتاج إلى محاربته، ولا تجربة مؤقتة غير موثوقة نبحث عن مخرج منه. هو طيف من الاختلافات في طريقة النمو، في التواصل، في فهم العالم وتنظيم المشاعر.
نعم، قد يتحسن الطفل إذا عالجنا الأعراض المصاحبة مثل القلق أو التشتت، لكن هذا لا يعني “زوال” التوحد، كما يتم الترويج له.
دائما ما نكون مرتبطين بالأمل. الأمل بالله، بالمستقبل المشرق، والذي يكون مبني على أساس علمي وليس على الأوهام والأماني.
نداء من القلب
أنا أتفهم تمامًا مشاعر القلق، والتعب، والرغبة في “الحل السحري”. لكن لا دواء يُجرب دون إشراف طبي مختص، ولا تجربة تُخاض بناءً على فيديو عاطفي أو وعود غير مثبتة. كل دواء، حتى المعروف منها، يحمل آثارًا جانبية ويحتاج إلى مراقبة دقيقة.
واستخدامه دون مبرر علمي أو تقييم سريري قد يعرّض الطفل لخطر أكثر من الفائدة.
إذا كان طفلك من ذوي التوحد، يمر صعوبات مصاحبة بالإمكان استشارة المختصين لمناقشة الخيارات أولا السلوكية ولكن أيضا في بعض الأحيان الدوائية لعلاج أعراض مصاحبة، مثل العنف و العصبية وفرط الحركة وصعوبة التركيز وغيرها. ولكن للتأكيد ، لا يوجد حاليا أي علاج دوائي مرخص لأعراض التوحد الرئيسية.
وهل يُعقل أن تُخفى “معجزة” علاجية عن العالم؟
لو كانت هناك وسيلة فعالة لعلاج جوهر التوحد، لكانت الهيئات العلمية الدولية والمراكز البحثية في دولنا والعالم أول من يسارع لاعتمادها.
لكن العلم لا يسير بالعاطفة أو رغبات الجمهور.
العلم يسير بالدليل، بالتكرار، بالتحقق، ثم بالاعتراف الرسمي.
كلمة أخيرة
العناوين العاطفية لا يجب أن تغلق أعيننا عن الحقيقة.
ليس كل من يتكلم بثقة على الإنترنت يحمل الحقيقة… وليس كل دراسة تُسمى علمية تستحق أن نُخاطر بأطفالنا بسببها.
دعونا نكون أكثر وعيًا… ونُفرّق بين الأمل الكاذب والأمل المبني على العلم.
حفظ الله أطفالكم، وملأ قلوبهم نورًا، ودروبهم سلامًا، وأحاطهم دومًا بالرحمة والتفهّم.
⸻
شاركوا هذا المقال مع من تهمه الحقيقة.
تعليقاتكم و ملاحظاتكم تسعدني